منوعات

الطرف الآخـ،ـر من القصة

عـ،ـاقبتني أمي منذ سنوات لأنها اِعتقـ,ـدت أنني من بدأتُ الشـ،ـجار مع أختي وض.ربتها دون سبب، لم ترَ د.ميتي المكـ،ـسورة المُلقاة أسفل الفراش، لم أخبـ,ـرها أن أختي كـ،ـسرتها لأنها لم تسأل..ولكن تجنّبت اللعب مع أختي منذ هذا الوقت.

ولأنني كنت ألازم الصمت دائمًا لم يكن لدـ,ـيّ خيار، في كل شيء كان مابقى من بعد اختيار الجميع يصبح لي.

لأنني لا أشـ،ـكو، لا أتكلم ولا أُبدي اِعتـ،ـراض.

حين تزوجت ابن عمتي لم أشـ،ـكُ لوالديّ من شـ,ـيء قط، استمر زواجنا ثلاثة أعوام وانفصـ،ـ،ـلنا في بداية العام الرابع، أُلقِي اللوم عليّ لأنني لم أستطع الحديث، لـ,ـم يسألْني أحدٌ عمّا شعرته خلال تلك السنوات، ولكن قِيل لي:” لم تستطِعي إنجاح زواجك لأكثر من ثلاث سـ,ـنوات، فشـ،ـلتِ في إسعاد زوجكِ ودفعه على التمسك بكِ، ألم تستطِعي الصمود أكثر؟ألم تُجدِي أيّ حلول؟” لم يـ,ـوانَ زوجي السابق عن سرد عـ،ـيوبي أمام الملأ، الطعام المحـ،ـروق في بداية زواجنا، نسياني المتكرر دون سبـ,ـب، رفضي الجلوس مع عائلته أوقاتًا طويلة.. تأخري بسبب فشلي في عقد رباط حذائي والبحث عن دبابيس حجـ,ـبي التي أنسى أين وضعتها كل مرة.

لم يفهم ابدًا أنني ما نسيت شيئًا إلا بدافع خوفي المُـ,ـبالغ من الأشياء وأنه ما كلّف نفسه عناء سؤالي عن السبب، لم يُقدر وقوفي لأكثر من ثلاث ساعات لأجل طهي طعامه المفضل، لم يرَ الطاولة المُنظمة والشموع المرصوصة بعناية، فقط رأى الطعام المحـ،ـ،ـروق ولم يرَ الجزء الآخر منه، لم يفهم أنني لم أتوافق ابدًا مع عائلته رغم محاولاتي اللامعدودة في التقرب منهم، لم تُحبني أمّه ولم تُبدِ أيّ قبول بوجودي معهم..ولم يُعطني هو أيّ فرصة للشـ،ـكوى، لم يسألني عن ألواني المفضلة، طعامي المُفضل، الأماكن التي أود زيارتها، ما أحب وما أكـ،ـره..كان يرى أن كل شيء يجب أن يدور حول مركز الحياة “نفسه”..هو ولا أحد بعده.

لذا حين فاض بي الأمر قررت الانفصـ،ـال.

رغم أنَّ عيوبه طـ،ـغت على أيّ ميزة قد رأيتها به يومًا، لكن كل ما استطعت قوله:” العيش معه مُحال، لقد انتهى كل شيء بيننا”.

حينها ظنّ أنه بلا عيوب وأنني المخـ،ـطئة الوحيدة، ولأول مرة بحياتي..لم أكترث.

أتمنى أن يتغير العالم يومًا ما، أن تُكتب قصة جديدة يُلقى بها الضوء على الطرف الآخر..الطرف الملازم للصمت، أن تُمنح فرصة للحديث قبل الحكم، ويشعر – من مثلي- بأن له الحق في الحديث لأن أحدهم يكترث لأجله، لأن في الرواية الوحيدة لهذا العالم يربح بها الطرف الذي يجيد الكـ،ـذب والبكاء.

حين ساءت حالتي طلبت مني أمي الذهـ,ـاب إلـ,ـى عمل لأختلط بالمزيد من البـ,ـشر لربما تحسّنت قليلًا.

كل شيء يبدو على ما يرام في عملي إلا ” فريد” ذاك الرجل الذي لم يَكُف عن اللحاق بي بطريقةٍ خفيّة طوال الخمسة أشهر السابقة، كنت أراه رجلًا كابن عمّتي لذا كنت أتجنبه طوال الوقت رغم أن مكتبه بجوار مكتبي تحديدًا، كان يراقبني أثناء حملي الملفات لأنه علِمَ تقريبًا أنني أنسى أين أضعها فيأتي بعد قليل أثناء بحثي عنها قائلًا دون الحاجة إلى سؤالي عمّا أبحث:

– على الرف الثاني جهة اليسار.

حينها أتصنع اللامبالاة وأقول رغم امـ,ـتناني له:

– أعرف أين وضعتها.

وحين طلب مني مديري تجميع أعمال الشركة خلال الأربع سنوات السابقة وطباعتها، جلست أمام الحاسوب كالبلهاء، أراقب المارّين بعينين زائغتين وأطرق بأصابعي على المكتب بتوتر، لقد علّمتني فتاة ما هنا كانت تشغل مكاني كيف أعمل على هذا الحاسوب..ولكن الآن يبدو كل شيء غريبًا.

لم ألحظ فريد حين اقترب مني دون تردد، متـ,ـسائلًا:

– هل من مشكلة؟

رفعت راسي بسرعة وقلت بصوتٍ مضطرب:

– لا، أنفذ ما طلبه المدير مني فحسب..أعلم ما سأفعل جيدًا.

وقف لدقيقة قبل أن يخبرني أن المدير من أرسله لمساعدتي، حينها شعرت بأن روحي رُدت لي، جلس على الكرسيّ بجواري بفارق مسافة وسألني عمّا طلبه مني، وحين بدأ هو بالعمل تذكرت كل شيء أخبرتني عنه الفتاة، ساعدني حتى طباعة آخر ورقة ثم ذهب بعد أن قال:

” أنتِ بارعة في العمل، سريعة، ذكية، المدير كان محقًا حين قال أنكِ أكثر من تستحقين هذا المكان”.

ولا أعلم من أين أتتني تلك الطاقة الغريبة التي دفعتني على إنهاء المزيد من العمل اليوم عُقب جملته، كنت أظن أنّي سأُطرد نهاية هذا الأسبوع، إلا أنه بسبب ” جُملة” بتُّ بارعة في استخدام الحاسوب واستخراج أقدم ملفٍ به.

ذات يوم جلس بآخر المقعد الخشبيّ الطويل الذي كنت أجلس عليه في حديقة الشركة، أشار إلى حذائي ذو عُقدة الرباط المشوّهة وقال:

– تشبه عقدة حذائي حين كنت في السابعة عشر، ولكن تعلّمت العُقدة الصحيحة من صديقي، بإمكاني تعليمكِ أيضًا..( انخفض قليلًا ليلمس رباط حذائه وأكمل):- انظري، إنها طريقةٌ سهلة.

لن أنسَ له أيضًا أنه حين ضاعف المدير العمل لي بسبب إنجازي السريع لما يأمرني به، حينها طلب مني فريد غاضبًا أن أشكو إليه كثرة مطالبه، وأنه إما أن يزيد لي راتبي وإما أن يخفف العمل عنّي وإما فسأترك الشركة، رفضت رفضًا قاطعًا في البداية ولكن مع إصراره كل يوم ألا أكلف نفسي فوق ما أستطيع، ذهبت إلى المدير صباحًا وقُلت له ما أملاه عليّ فريد، حينها لم يتغير العالم، لم أمُت ولم أفقد جزءًا من لساني..لم أخسر شيئًا في الحقيقة كما كنت أتوقع، حينها زاد راتبي لأنهم لن يستطيعوا الاستغناء عني بعدما أنجزته هنا.

عُدت إلى أمّي لأخبرها بما فعلته كأكبر إنجازٍ بحياتي

” أنني شكوت لأول مرة” ولا أعلم لمَ بدأت الكلمات تنزلق من فمي شيئًا فشيئًا؛ فشكوت لها حياتي السابقة، عمتّي، طليقي، الثلاثة أعوام التي لم أشعر بهم سوى بالخوف، الدمية المكسورة التي لم ترَها، رغبتي في الشكوى لها دائمًا..ويا للعجب!كانت أفضل من يستمع لي، كان الحديث معها أفضل شيء فعلته بحياتي..

لن أنسَ لفريد ابدًا أنني حين وقفت أمام الدنيا لأول مرة وقررت تغيير حياتي.. كان بفضله هو.

حينها لم أجد ما أُقدمه له سوى كعكة ليمون – أفضل ما أجيده-، فريد كثير الحديث عن والدته لأن والده توفّى وهو صغير، أراني صورتها ذات مرة ووقعتُ في حبها فورًا، امرأة أنجبت رجلًا كفريد لا يتردد المرء قبل الوقوع في حبها ابدًا.

بجوار فريد أشعر كأني أهمّ امرأةٍ على سطح الأرض، علّمني أن لحديثي معنى، ولاعتراضي أهمية..فبطريقةٍ ما شعرت أن الحياة تستحق فرصةً أخرى.

حين طلب مني فريد رقم هاتف والديّ لطلبي للزواج أخبرته حينها أنني” مُطلّقة” لم تتغير تعابير وجهه ولم يتراجع في قراره ابدًا.

حين وافقت حدد هو وأبي فترة خِطبة ” سنة” حتى أتعرف عليه أكثر، خلال العام لم أتأكد سوى من أنه رجل يُؤتمن على العُمر دون تفكير، رجل علمني كيف يمكن أن تُعامل المرأة.

وبعد زواجنا كنت أقف في المطبخ أغلب الأحيان مع أم فريد، تعلمني ما اكتسبته من خبرة في الطعام خلال سنواتها الماضية، وأحيانًا يقف معنا فريد يعد لنا طبق سلطة الخضراوات الذي يجيده..

كما أصبح يتأكد من هاتفه في المعطف صباحًا وهاتفي في حقيبتي التي ابتاعها لي.. والتي خصص مخبأها ذو السحاب السريّ بالداخل مكانًا لوضع عُلبة الدبابيس الاحتياطية التي اِبتاعها لي مع الحقيبة حتى لا أبحث عنها كل يوم

-لكاتب لا نعرف اسمه. ♥

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل